الذكرى السنوية الرابعة لاستشهاد الإمام الرباني
الشيخ أحمد ياسين حياته مليئة بالعطاء والجهاد والعطف على الفقراء والمحتاجين
في تلك البقعة المباركة ما بين بيت الشيخ أحمد ياسين ومسجد المجمع الإسلامي في حي الصبرة الذي احتضن ركعاته وسجداته، اختزلت سنوات طويلة من عمر القضية الفلسطينية.. حيث تكاملت أركان ملحمة جهادية كبرى بتضحياتها وبطولاتها وصمودها... ورفضها للاستسلام والخنوع، منذ أن كان يربي الأطفال في روضة المجمع الإسلامي والى أن أصبحت محضن للمجاهدين.
في تلك الأمتار القليلة التي خطت عليها عجلات كرسي الشيخ دربها جيئة وذهابًا إلى المسجد.. خط الشيخ معها (شموخًا تنحني له هامة الدنيا خجولة) حيًّا وميتًا!
على تلك الأمتار القليلة، كان الشيخ المقعد (يمشي) (وينتصب) مرفوع الرأس عظيمًا كجبل، مخلفًا خلفه الملايين من أمة الإسلام، مشلولين.. مقعدين وهم أصحاء.. كهشيم يسكن السفح..
كان الشيخ أمة بأسرها سكنت جسد رجل واحد.. وكان في قلبه ألف ألف فارس.. وكان كرسيه آلة حربية جبارة زلزلت الأرض من تحت أرجل الأعداء وألهبت السماء من فوق رؤوسهم ومن تواطأ معهم!
على تلك الأمتار القليلة تحقق للشيخ أحمد ياسين ما أراد، فهو الذي طالما ردد "لن يضر حماس أو أحمد ياسين أن أسقط شهيدًا..؛ فهي أغلى ما نتمنى".. تحقق له ما أراد.. وحقق الله به عجيبة من عجائبه، فهاهو (المقعد) يموت موته الأبطال (بصاروخ ضربه من هنا وخرج من هنا) ويهراق دمه، ليحيا في قلوب الناس إلى أبد الآبدين، ولينقش اسمه بأحرف من نور في أنصع صفحات التاريخ.. في حين مات ويموت عشرات الزعماء والرؤساء والعلماء من أذناب الأنظمة والسلاطين على فرشهم كالدواب النافقة مجللين بعار لا تغسله كل بحار الدنيا!
ولمعرفة جوانب من حياة الشيخ الشهيد أحمد ياسين ، المؤسس لحركة المقاومة الإسلامية "حماس" "موقع القسام " التقى بنجله "عبد الغني ياسين"، والذي كان دائماً برفقة والده.
متواضعاً زاهداً في الدنيا
حياة الشيخ كانت طبيعية متواضع مثل كل بيت فلسطيني حيث يسكن في بيت صغير أسطحته "اسبست" لدرجة أنه كان عندما يدخل الناس البيت لا يصدق أنه بيت الشيخ احمد ياسين كان زاهداً في الدنيا "بهذه العبارة" عبر نجل الشيخ عبد الغني أحمد ياسين عندما سألناه عن حياة الشيخ ويقول عبد الغني:" كان الشيخ طيب القلب ليله قيام ونهاره صيام، لا يهتم كثيراً للمال، وكان يقول لي: يا بني كن زاهداً في الدنيا يحبك الله سبحانه وتعالى، ويحبك الناس".
ويضيف نجل الشيخ:"كان دائماً يحفزنا على الصلاة والطاعة، لدرجة أن أبناءه كان يقول له يا أبي أريد أن ادخل في حماس فكان يقول الشيخ رحمه الله:" ارجع إلى مسجدك والتزم فيه هو الذي يخرجك ويجعلك من الأجيال والأبطال".
عرف عن الشيخ بعطفه على الصغار وذلك ليتنافسوا على حفظ كتاب الله وكان في صلاة الفجر والذي يداوم عليها يعطي الأشبال والشباب بعض الأموال للحفاظ على هذه الصلاة وكان يقول لنجله عبد الغني:" الأموال لا أحسب لها حساب ولكن الأهم يا بني أن نربي الجيل الذي سيحرر فلسطيني ويحب الشهادة كما يحب بنو صهيون الموت".
استمراره في المضي على الطريق
ولد أحمد ياسين في يونيو/حزيران عام 1936 في قرية جورة عسقلان - قضاء المجدل شمالي قطاع غزة - نزح مع عائلته إلى قطاع غزة بعد حرب العام 1948. أصابه الشلل في جميع أطرافه أثناء ممارسته للرياضة في عامه السادس عشر . استطاع الشيخ احمد ياسين أن ينهي دراسته الثانوية في العام الدراسي 57/1958 ثم الحصول على فرصة عمل في التدريس كمعلم للتربية الإسلامية رغم الاعتراض عليه في البداية بسبب حالته الصحية .
ويشير عبد الغني نجل الشيخ أنه زار والده وهو في السجن عام 1996م، وكان دائماً يحثنا على الوحدة الوطنية حتى لا نقع في مشاكل، يذكر أن الشيخ توجهت له عدة تهم عندما اعتقل منها: تزعمه لحركة حماس في فلسطين، وايضاً اختطاف جنود من الصهاينة ، وحكم عليه مدى الحياة بالإضافة إلى 15سنة، إلا أنه تم الإفراج عنه بعد حادثة اغتيال الأستاذ خالد مشعل، عندما طلب الملك حسين ملك الأردن العلاج لمشعل، وإطلاق سراح الشيخ أحمد ياسين "كمبادرة حسن نية" وتلطيف الأجواء بين الأردن ودولة الاحتلال الصهيوني.
ويكمل نجل الشيخ: عندما كان الشيخ في السجن أصابت البراغيث الموجودة في السجن جميع الأسرى الذين كانوا موجودين مع الشيخ، والذي يعاني منها الأسرى الويلات، إلا أن الشيخ لم يصاب بشي.
همه الكبير على الأسرى
جداً جداً جداً همه الكبير كان على الأسرى وكان دائماً يوجه لهم الرسائل للتخفيف من المعاناة التي يذيقونها، هكذا علق نجل الشيخ "عبد الغني" عن كيف كان هم الشيخ للأسرى، حيث أنه كان دائماً حريص على أن يخرجهم من ظلم العدو الصهيوني.
معاملته للفقراء والمحتاجين
عرف عن الشيخ عطفه على الناس بشكل غير طبيعي، وإذا لم يكن معه من الأموال يتداين من المرافقين من أجل سداد المحتاج الذي يطلب منه، وعرف عنه بعطفه للفقراء والمحتاجين في الدول العربية مثل مصر والأردن، وهذا أكثر ما تميز به الشيخ فضلاً عن باقي أعماله، وكان يقول: انفق ما في الجيب يأتيك ما في الغيب"
تأثيره عليهم
وتأثر الشيخ القائد الرباني أحمد ياسين على استشهاد القسامي عبد الحكيم المناعمة الذي كان أحد المرافقين له وكان الشهيد المناعمة متعلقاً كثيراً بالشيخ وأحبه حباً كبيرا، وكان يقول الشهيد المناعمة:" أجد ارتياح عندما أكون بجانب الشيخ "، وتأثر ايضاً على فراق الشيخ صلاح شحادة القائد العام للجناح العسكري كتائب القسام، تأثر عليه تاثيراً كبيراً.
وكان يستقبل نبا استشهاد القادة من حركة المقاومة الإسلامية حماس بحزن شديد ويؤكد نجل الشيخ انه عندما يسمع نبا استشهاد احداً من القادة كان يقول:"إن لله وإن إليه راجعون"، لقد انتهى اجله، وعن التهديدات التي كان يتعرض لها الشيخ من العدو الصهيوني يقول نجله:" كان يقول لي: يا بني أن باطلب الشهادة في سبيل الله، منذ خمسين عام والآن تريدني أن تضيعها علي".
الأب الحنون
ويشير نجل الشيخ أنهم افتقدوا هذا الأب القائد المربي الحنون، وافتقدوا الكثير من الأمور الذي تحتاج إلى معالجة وإلى مشاورة للشيخ، ولكن بفضل الله تعالى استمرت مسيرة العطاء والجهاد الذي رسمها الشيخ وبناء الجليل وتحقق الحلم الذي كان يسعى له، واستمرت القيادة التي تربت على يد الشيخ، فنعم القيادة حفظها الله.
رحل الشيخ ياسين
في مثل هذا اليوم 22 / مارس، تكرر مشهد يتقنه اليهود كثيرا ، ولطالما طبقوه مع الأنبياء والصالحين. قبل عامين من الآن و بالتحديد في فجر الثاني والعشرين من شهر مارس أقدم جيش الاحتلال الصهيوني على جريمته النكراء التي تعكس السلوك الحيواني المتأصل والهمجية المطلقة لجيش وقادة الاحتلال- باغتياله للشيخ الشهيد أحمد ياسين وهو خارج من المسجد بعد أداء صلاة الفجر بمدينة غزة . رحل الشيخ ياسين الرمز والقائد والمؤسس لحركة المقاومة الإسلامية حماس ، بعد أن أعد جيلاً كاملاً من المجاهدين والقادة ، تربى على فكر الشيخ الشهيد ، وتشربت نفسه من روح التضحية والفداء صيانة للكرامة ، ودفاعا عن المقدسات .
كان الشهيد أحمد ياسين مقعد الجسد لا مقعد الهمة والإرادة ، ولذلك عجزت كل أشكال الإرهاب الصهيوني عن ثنيه عن طريقه الذي آمن به ، ونهجه الذي رسمه لنفسه ولشعبه المجاهد في فلسطين .
تم اغتيال الشيخ الرباني"أبو محمد" من قبل الاحتلال الصهيوني وهو يبلغ الخامسة والستين من عمره ، بعد مغادرته من مسجد المجمّع الإسلامي الكائن في حي الصّبرة في قطاع غزة، وأدائه صلاة الفجر في يوم الأول من شهر صفر من عام 1425 هجرية الموافق 22 مارس من عام 2004 ميلادية بعملية أشرف عليها رئيس الوزراء الصهيوني ارئيل شارون وقتها، قامت مروحيات الأباتشي الإسرائيلية التابعة لجيش الدفاع الإسرائيلي بإطلاق 3 صواريخ تجاه الشيخ المقعد وهو في طريقه إلى سيارته مدفوعاً على كرسيه المتحرّك من قِبل مساعديه،فقتل ياسين في لحظتها وجُرح اثنان من أبناءه في العملية، وقتلوا معه 7 من مرافقيه.