مقاومة القسام في الضفة إذ تسترد عافيتها.. أبعاد وآثار!
لسنا نتجنى على الحقيقة إن قلنا إن المقاومة الفلسطينية تكون في أحسن حالاتها كلما كان الجناح العسكري لحماس معافىً وقادراً على تسديد الضربات للمحتل، وأن كل موجة جديدة لهذه المقاومة تتصاعد بعد أن تنجح الخلايا العسكرية لحماس بتجاوز مرحلة الإنهاك التي سبق وتعرضت لها على يد الاحتلال.
ولمقاومة حماس في الضفة خصوصية ونكهة متميزة، وهي كلما وقفت على قدميها واستعادت عافيتها فإن فلسطين تكون على موعد مع عهد انتقائي من عمليات المقاومة.
ومنذ عملية السور الواقي عام 2002 وحماس تتعرض لسلسة ضربات صهيونية مركزة في مدن الضفة تمثلت بالاغتيالات والاعتقالات بما فيها الحملات الاستباقية التي تهدف للحيلولة دون تمكن حماس من التقاط الأنفاس لتكوين خلايا جديدة بدلاً من تلك التي يتم استهدافها.
وقد تجلى أثر حملة الاستنزاف الصهيونية تلك لحماس في الفترة التي تلت عام 2005 وشهدت انخفاضاً في منسوب عمليات حماس في الضفة وبالتالي انخفاض وتيرة المقاومة بشكل عام كون حماس هي الفصيل الذي كان وما زال يشكل العمود الفقري للمقاومة ورأس حربتها والرائد فيها.
وآخر عملية استشهادية لحماس قبل عملية ديمونا كانت عام 2005 وهي تلك التي نفذها الاستشهادي عبد الرحيم قيسية في بئر السبع، ومع ذلك فمن الجدير ذكره هنا أن عدة عمليات عسكرية متفرقة حدثت خلال ذلك العام وما تلاه في الضفة كانت من تنفيذ حماس رغم عدم إعلان حماس عن تنفيذها في تلك الفترة ومسارعة بعض الفصائل الورقية المشهورة بكذبها لتبنيها، قبل أن يتبين لاحقاً أنها من تنفيذ خلايا لحماس من خلال ما كانت تكشفه ملفات المحاكم العسكرية الصهيونية.
ولسنا هنا في معرض تعداد تلك العمليات البطولية، غير أن اللافت هنا ما تشير إليه من أن مقاومة حماس لم تتوقف حتى في أصعب الظروف وبغض النظر عن طبيعة التطورات السياسية على الأرض، صحيح أن وتيرة العمليات في الفترة ما بين 2005 و2007 شهدت انخفاضاً لكن هذا الانخفاض جاء كنتيجة للضربات المركزة التي تعرضت لها حماس، وليس لأن مشروع المقاومة تراجع ضمن أجندة الحركة وأولوياتها.
غير أن الملاحظ في هذا السياق أن العام الأخير شهد نقلة جديدة في العمل العسكري لحماس تمثلت عبر عدة عمليات نوعية كعملية أريئيل وعملية بيت كاحل وعملية اقتحام مستوطنة قرب بيت أمر، ثم عملية ديمونة الاستشهادية وصولاً إلى عملية القدس الاستشهادية التي تشير كل الدلائل حتى الآن أنها من تنفيذ حماس.
وعلى صعيد حماس كحركة فإن عودتها لتسديد ضربات نوعية للاحتلال في الضفة بعد حملات الاستئصال الممنهجة التي تمارس بحقها يثبت أنها حركة حية دائمة التجدد والعطاء، وأن أي حديث عن إمكانية اجتثاث جذوة مقاومتها قد غدا ضربا من الخيال، وهذا أمر طبيعي مع حركة تمتلك تراثاً عقائدياً صلباً ومشروع تحرر استراتيجياً ومقومات هامة من الانضباط وتنظيم الصفوف والتوائم بين مختلف مستوياتها وقطاعات عملها والانسجام ما بين القيادة والقاعدة.
أما على الصعيد الفلسطيني العام فإن عمليات حماس المنطلقة من الضفة تؤكد وحدة الأراضي الفلسطينية وتترجمها عملياً بعيداً عن شعارات فريق المقاطعة الجوفاء التي لا تتجلى هذه الوحدة لديها إلا من خلال معبر إيريز والخضوع لوصاية الاحتلال على حركة الفلسطينيين واقتصادهم وقرارهم!
فالضفة كانت ولا زالت متنفسا كبيرا للرد على جرائم الاحتلال في غزة خاصة وأن هامش المقاومة هناك محدود بسبب عدم توفر أهداف سهلة المنال، وكون العمليات النوعية في القطاع تحتاج لتجهيزات عالية كالأنفاق وزرع الألغام، إضافة إلى صواريخ القسام والتصدي للاجتياحات، مع ما يتطلبه ذلك من تطوير دائم ومرهق لوسائل وآليات المواجهة.
أما صهيونياً فإن عودة حماس للضرب بقوة في الضفة يحمل رسالة مهمة لحكومة الاحتلال ومجتمعه مفادها أن أقصى ما يستطيع الاحتلال جنيه عبر استنزاف حماس هو حالة هدوء نسبي ومؤقت، وأن العمليات النوعية الموجعة لن تلبث أن تعود إلى الميدان، خاصة إذا ما أخذنا بعين الاعتبار طبيعة المكان الذي استهدفته عمليتا ديمونا والقدس، والمكان الذي انطلق منه الاستشهاديون ودلالات ذلك، وكيف أن إجراءات الخنق عبر الطوق الأمني والجدار لن تحمل المقاومة على التسليم بعدم إمكانية استهداف العمق الصهيوني، بل ستحفزها على اجتراح البدائل واستغلال كل الثغرات.
وبعد أن ظن الاحتلال أن بإمكانه الاستفراد بغزة بعد اطمئنانه إلى هدوء ساحة الضفة إذا به يفاجأ بأن الرد لم يتأخر من الضفة بل جاء أسرع مما كان يظن، الأمر الذي شكل إرباكاً كبيراً لحكومة الاحتلال ودوائرها الاستخبارية التي لم تكن تحسب حساباً للضربات الأخيرة. وهو ما سيساهم في إعادة توازن الرعب والقوة إلى موضع معقول يمكن استثماره لصالح المقاومة الفلسطينية.
وما ينسحب على الصعيد الصهيوني ينسحب بدرجة متقاربة على مشروع التنسيق الأمني ويربك مخططاته لتصفية المقاومة ويثبت عقم إجراءاته مهما كانت حاسمة وغير مسبوقة، بل إنه يثبت في المقابل أن ازدياد حالة الضغط على حماس من كل الجهات هو ما يفرز تحدياً عالياً لديها وقدرات استثنائية على المضي في مشروع المقاومة وإسناده، وتصدير الأزمة نحو الاحتلال، مما يشكل ضربة مزدوجة له ولوكلائهم على حد سواء.
رسائل حماس العسكرية كانت ولا تزال الورقة الأقوى القادرة على فرض عدة متغيرات في الوقت ذاته، وإعادة الحياة لمشروع التحرر وإحداث تغيير إيجابي في الوعي العام والمزاج الشعبي، والخروج من عنق الزجاجة وتجاوز الآفاق المسدودة رغم ما قد يترتب على ذلك من خسائر مادية آنية لن تلبث ثمارها أن تتجلى على أرض الواقع لتشكل رافداً جديداً وإضافياً لمشروع حماس الكبير، السائر أبداً مع حقوق شعبنا ومصالحه الوطنية الحقيقية.